مجموعة انسان
02-10-2007, 08:33 PM
دغاش بن محمد العامري
ـ هذه حفريات موسعة في وجدان إنسان الإمارات. رحلة في تفاصيل المشاعر والذكريات وتاريخ المنطقة وتراثها. هي محاولة لتخليد اللحظة الشاردة، وللإمساك بآثار ذلك الزمن الجميل مع رجال صنعوه بكل براءة وعنفوان.
إنها جولات في ذاكرة رجال ونساء عاصروا مراحل التكوين الأولى التي بدأت على يدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ببعد نظره وحكمته خطط بعصاه مدناً على الرمال، لنراها بعد فترة قياسية حقائق متجسدة في دولة هي اليوم مفخرة لكل العرب.
ـ شمس صديقة آفلة للغروب استقبلتنا، ورغاء الإبل يعطي المشهد روعة الفتنة الأولى للصحراء، نعم، هنا تولد الطلاقة وتنسج خيوط الحرية الحقيقية، من أفواه هؤلاء البدو الطلقاءعشاق الحرية وحلفائها منذ الأزل.
رغم الذاكرة المرهقة، هشْ وبشَّ في وجوهنا كبدوي أصيل، عريق في كرمه، عريق في أريحيته، يُلغي الحدود فوراً بين الضيف والمضيف، وبوجه خَطَّت الطيبة تفاصيله، وبلسان يلهج بذكر الله ولا يكف عن ترديد كلمات الترحيب الودودة.. مرحبا.. مرحبا مليون.
غمرنا الشاعر دغاش بن محمد العامري بسيل من محبة لا تخفي ملامحها، على الجانب الآخر، شَبَك، نوق أصايل، وعراقيب رمل متماوجة، وحليب نوق دافئ بزبدتِهِ الطافية.
ـ شاعرية الأجواء في عزبته، تأخذنا، رغماً عنا، إلى واحات طيبة، وحداء بدو، وحنين جارف إلى جغرافيا غنية بمحمولاتها ودلالاتها.
شاعرنا بلغ به الكرم والتواضع أن ينسى معظم ما نظمه من قصائد، وأغلب ما تذكره هو قصائد لشعراء آخرين، ولسان حاله يقول: أنا لست بن ظاهر حتى يحفظ شعري وقصيدي.
ما جعلني أتساءل مع الحاضرين، عن أهمية تدوين الشعر النبطي المحلي غير المدوّن أغلبه إلى اليوم، حيث لا يزال، حبيس ذاكرة الحفاظ من الرواة ـ شاعرنا من أبرزهم لسرعة بديهته ولكونه شاعراً يحسن بالتالي (عد) القصيد، ولكنه مع ذلك وهو ما جعلنا نتأسف، وفي الوقت ذاته ننبه إلى الإسراع بتسجيل ما في صدور الرواة لم يتذكر إلا قصيدة واحدة من قصائده.
فلولا هؤلاء الرواة لما وصلنا في الحقيقة شيء من شعر بن ظاهر وغيره من شعراء الإمارات الأعلام كَـ بن خزام والكيف وبن بيات وبن روية وغيرهم من الذين روى بعض قصيدهم شاعرنا في هذه الجلسة التي كانت معبقة بدفء النار التي تبعث الخدر في المفاصل.
وتشيع جواً من أصالة الماضي إذْ تدار فناجين القهوة بين الفينة والأخرى، ويزهو صوت شاعرنا متدفقاً بألق الشعر، وصدق المشاعر على ربوة عالية مطلة على الشارع السريع الواصل بين العين ودبي.
قبل الجلوس حول النار، أخذني في جولة وسط جماله الأثيرة، (حْوار) أليف يمد رقبته بيننا، يكاد يلامس رؤوسنا ثم يميل علينا وكأنه طفل يتوق للملاطفة، مسد رأسه ورقبته، والتقطنا مع القطيع بعض الصور قبل أن ندعى إلى مائدة الشعر. معرفتي بالشاعر دغاش بن محمد العامري قديمة تعود ربما إلى أكثر من عشر سنوات، جدد الدعوة الصديق عوض بن وريقة العامري الذي رتب هذا اللقاء.
وبعد أن جلسنا، سألته عن الشاعر (الكيف) وهل هو اسمه الكيف أم هو لقب لُقبَ به؟ نادى على الشاعر جمعة بن مطلق الظاهري فسأله عن الاسم فأجاب الشاعر بأن الكيف اسمه علي وهو شاعر عامري (من العوامر القبيلة العربية المعروفة بعراقتها).
نعم، حليطي (من فخذ الحِلاطة) وهو شاعر معروف مفوه، والذي أعرفه أنه خال محمد بن ثاني، أما بن دري الله يرحمه الشاعر الكبير (أحمد بن دري الفلاحي) فالعوامر خواله، «اللي جاب الفروخ» الأبناء سالم وسعيد وسهيل.
ـ ألا تحفظ شيئاً من القصيد لشعراء من العوامر؟
ـ «وايد» ... لكن لا أحفظ لشاعر معين منهم.
ذكره أحد الحاضرين بالشاعر (بن خزام) ولهذا الشاعر العَلَم الكبير خاصة عند رواة الشعر النبطي في منطقة العين، مكانة ويحفظون شعره لأنه كان قريباً جداً من الشيخ زايد يرحمه الله.
واسمه حمد بن خزام الخميسي العامري وهو شاعر معروف، يقول في إحدى قصائده التي رواها لنا شاعرنا دغاش بن محمد العامري وهي مشاكاة للشيخ زايد يرحمه الله:
إيون الخميسي ولي هاض ما به
بنيت شعر من بيوت غزار
الأوّلة مشكاي للرّب خالقه ولا
على غيره بديت أسرار
والثانية مشكاي للشيخ زايد
شيخ يشل من الحمال كبار
يشل حملٍ ما يشلّه غيره
لو هو على غيره بَرَك ما ثار
ويحفظ الرواة قصيدة أخرى للشاعر بن خزام، لا تقل عن الأولى شهرة، وهي قصيدة كما يبدو قيلت بمناسبة خروجه في موسم القنص مع الشيخ زايد يقول فيها:
«الشيخ دنوله فروتٍ وجيبات
وأمّر على كل يحضر كشارة
قالوا حضرنا نلبي للشيخ نيّات
متحزّمين وكلنا فـ الأمارة
قال ابشروا بالخير والفراحات
مقناص والاّ ما به اليوم غارة
والقصيدة طويلة وقد عدها علينا شاعرنا كاملة. ثم عرضنا على شعراء المنطقة، فتذكر مضيفنا قصيدة للشاعر الصياح بوهليبة المنصوري، وهو شاعر عاش هنا في منطقة العين، وكانت له قصائد عديدة في الشيخ زايد يرحمه الله، ومنها هذه القصيدة التي نورد بعض أبياتها:
«سّميت باسم القادر الذي
عظيم شانه الجلالي والاكرامي
واشكي وشكواي على من يثيبها
الواحد المعبود ذا أوّل سلطاني
يا شيخنا يا سعد من أنت شيخه
يا ذخرنا ليمن جفانا الزماني
يا زايد المذكور سمعة وهيبة
وضيف يقلّط من العق رسمالي
وهذه القصيدة أيضا طويلة ومهمة ويحفظها (وعدها) علينا شاعرنا دغاش العامري كاملة.
ذكر الشاعر جمعة بن مطلق شاعرنا بقصيدة مشهورة للشاعر سلطان بن بيات المهيري، وطلب منه أن يعدها (يلقيها) على الحاضرين، ويشير شاعرنا أن بن بيات الشاعر تملكه «الْعِيَبْ» أي الإعجاب، وتقال الكلمة دليلاً على الحب أو الوقوع في الحب) على كبر، توفي الله يرحمه، وعدّ هذه القصيدة وهي من قصيد الغزل.. يقول فيها:
«عيني تهلّ الدّمع بصْياح
من عوق لا يبرا ولا يهون
عوقٍ على الافواد منَساح
فيه الدّخاتر ما يفيدون
يا بوهدايب سمر مسياح
يا صافي الخدّين واللون
شف في عذابي مالك إصلاح
لو طفت عند اللي يطوفون»
وللشاعر بن بيات، قصيدة أخرى لا تقل روعة عن الأولى (التي أوردنا منها الأبيات السابقة وشاعرنا رواها لنا كاملة) ... وهي أيضاً في الغزل يقول في بعضها:
«يوم سلّم قلت حيّا به
بويديل حدر متسنّه
حتى قلبي ضيّع حسابه
ما عرفت الفرض والسنّة
شوف حالي كيف سوّا به
واخذ معروفي بلا منّه
ذكرنا شاعرنا بشاعر آخر عَلَم من شعراء الإمارات وهو الشاعر علي بن عبدالله بن شمسة السويدي الذي يطلق عليه البدو «بن شمسة» وقد أشار إلى شاعريته حمد خليفة بوشهاب في كتابه «تراثنا من الشعر الشعبي».
ووصف شعره بأنه يمتاز بالرقة وحسن الأسلوب، وسهولة الألفاظ، وقد أورد له بوشهاب سبع قصائد في الجزء الثاني من كتابه السابق، وقد أورد شاعرنا دغاش العامري هذه القصيدة للشاعر الكبير العذب بن شمسة والتي لم يوردها بوشهاب فيما أورده:
«حيّ الرسيل ولي لفى بالمناديب
يا مرحبا حي التحية هبادي
صفرة سداسية على أول الشيب
شروا الفرس لي اتصلحت للطرادي
الله خلقها سالمة م العذاريب
فاقت على بوش الحضر والبوادي»
والقصيدة جميلة قيلت في أنواع البوش أو الهجن السبّق، على ألوانها، الصفر والحمر، وما أوردناه هو جزء بسيط من القصيدة وقد (عدها) علينا شاعرنا كاملة وهي تقارب الستة عشر بيتاً.
عرّج بعدها شاعرنا على شاعر عَلَم آخر يحفظ له بعض القصيد الجميل وهو الشاعر المعروف بن روّية، واسمه حبرش بن روية الكحيلي المحرمي وهو كتبي (من قبيلة بني كتب القبيلة العربية العريقة التي أنجبت شعراء كبارا)، ومضمونها أنه كان قد أعجب بامرأة كان قد حضر الشاعر عُرس ابنتها، وسبق البعير في السباق الذي يقيمه البدو عادة بمناسبات سعيدة كالأفراح والأعراس .
.. فوضعت المرأة الأم كما هي العادة الزعفران على خشم البعير الذي سبق ابتهاجاً ... فجادت قريحة الشاعر ووصفه بالأبيات التالية، والتي نورد بعضاً منها.. (وهي ثلاثة عشر بيتاً)..
رفيع الشّخَب بالسيوف
لذوعٍ من خنانيج الحواني
حشيم ما تلتف في الصيوف
طعامه كله طرحه عماني
طفينا كل حَسّاد يشوف
خبيث القلب طيار العياني
وبعد أن يصف البعير وصفاً دقيقاً، يعرّج بعدها إلى وصف المحبوب فيقول..
سلامي على من ربّوه وقوف
تبسيمهم يرّث غرامي
قفوا وخلوني خلي اليوف
بيني وبينهم ليَك تسامي
وأنشد لنا شاعرنا دغاش بن محمد العامري أبياتاً احتار في نسبتها الحاضرون إلى أي شاعر، فمنهم من قال أنها لـ «بن ظاهر»، ومنهم من نسبها لشاعر يقولون انه من منطقة الطّف على حد قول شاعرنا ومنها:
«أديب وسنيع ومخبه رفيع
وتنسف الخبيب على كل ميل
تعاسم يديها وكل شيَ فيها
واللي يشوفها ماضني بيميل
أبكي وخايف الاّم الحسايف
على يوم شَدّو ودنّوا الأصيل
كنت أراهن في جلستنا الحميمة تلك على أن ذاكرة الشعر كبئر ارتوازية كلما ألقيت قصيدة ذكّرت بأخرى وأن هذا التداعي الحر للحكايات والقصيد لابد وأن يجعل شاعرنا يتذكر شيئاً من شعره الشخصي بعد أن حاول في البداية التذكر فلم تسعفه الذاكرة، ولكن الآن جاءت القصيدة الأولى التي نظمها في بداية أيام «زمّة الصبا» أي فورته.
نورد منها الآبيات التالية:
قفيت بي يا زين وش ياك
ما حيدني دست الخطا فيك
طال الرّيا وأنا اتريّاك
وأنت اترّيا شوف غاليك
وانا الذي يا زين با فداك
لكن قل الصدق لي فيك
بيني وبينك حط يمناك
عَطني عَهَد والرب ينجيك
ثم تذكر شاعرنا قصيدته الثانية التي يقول فيها:
مريض حالي يا محمد وقلبي رَف
رْفيف طير في الهوى معطي القافي
كلّ على شغله وأنا بدالي شف
وأنا قلبي مشغول في هوى ناس أشرافي
وعوداً على شعراء المنطقة، تذكر شاعرنا قصيدة للشاعر قمّاش بن صكته العميمي، ويورد حكايتها كالتالي:
كنا يوما في معية سمو الشيخ زايد يرحمه الله، وما أن ألقيت أمام سموه هذه الأبيات:
يالغضي بوعين مسوَدّة
صرت في خوياك خَوّاني
يوم وقف القوس عا حدّه
بعتنا با رخاص الاثماني
حتى قال الشيخ زايد يرحمه الله: من له هذه القصيدة؟ قلنا هذه القصيدة لحياة قمّاش، فقال سموه ردّاً على القصيدة:
يالغضي بوعين مسودة
كيف بالمطلان تدهاني
الوِجَن كالورد معتدة
والثنايا البروق زمّاني
ولمعتق ما حلا قدّه
والثنايا حَب رمّاني
واستزدنا شاعرنا من شعره هو، فاعتذر بأنه لا يحفظ الكثير من قصيده، لكنه مع ذلك يذكر مطلع قصيدة قديمة له تبدأ هكذا:
أنا ويّنت من هميّ عليها
ازداد القلب علاّت وملايل
فشجع ذلك ابنه مبارك الذي كان حاضراً مجلسنا لعد القصيدة التي نورد منها:
أنا ونّيت من هميّ عليها
ازداد القلب علاّت وملايل
تشوق العين لي برّقت فيها
ويزول الهم اللي في اليوف ظايل
ذلول الشيخ يا حافظ عليها
على أول شيب البوش حايل
هزرت بيود ويال الظن فيها
من كسف المدح والخبر اليمايل
ـ هذه حفريات موسعة في وجدان إنسان الإمارات. رحلة في تفاصيل المشاعر والذكريات وتاريخ المنطقة وتراثها. هي محاولة لتخليد اللحظة الشاردة، وللإمساك بآثار ذلك الزمن الجميل مع رجال صنعوه بكل براءة وعنفوان.
إنها جولات في ذاكرة رجال ونساء عاصروا مراحل التكوين الأولى التي بدأت على يدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ببعد نظره وحكمته خطط بعصاه مدناً على الرمال، لنراها بعد فترة قياسية حقائق متجسدة في دولة هي اليوم مفخرة لكل العرب.
ـ شمس صديقة آفلة للغروب استقبلتنا، ورغاء الإبل يعطي المشهد روعة الفتنة الأولى للصحراء، نعم، هنا تولد الطلاقة وتنسج خيوط الحرية الحقيقية، من أفواه هؤلاء البدو الطلقاءعشاق الحرية وحلفائها منذ الأزل.
رغم الذاكرة المرهقة، هشْ وبشَّ في وجوهنا كبدوي أصيل، عريق في كرمه، عريق في أريحيته، يُلغي الحدود فوراً بين الضيف والمضيف، وبوجه خَطَّت الطيبة تفاصيله، وبلسان يلهج بذكر الله ولا يكف عن ترديد كلمات الترحيب الودودة.. مرحبا.. مرحبا مليون.
غمرنا الشاعر دغاش بن محمد العامري بسيل من محبة لا تخفي ملامحها، على الجانب الآخر، شَبَك، نوق أصايل، وعراقيب رمل متماوجة، وحليب نوق دافئ بزبدتِهِ الطافية.
ـ شاعرية الأجواء في عزبته، تأخذنا، رغماً عنا، إلى واحات طيبة، وحداء بدو، وحنين جارف إلى جغرافيا غنية بمحمولاتها ودلالاتها.
شاعرنا بلغ به الكرم والتواضع أن ينسى معظم ما نظمه من قصائد، وأغلب ما تذكره هو قصائد لشعراء آخرين، ولسان حاله يقول: أنا لست بن ظاهر حتى يحفظ شعري وقصيدي.
ما جعلني أتساءل مع الحاضرين، عن أهمية تدوين الشعر النبطي المحلي غير المدوّن أغلبه إلى اليوم، حيث لا يزال، حبيس ذاكرة الحفاظ من الرواة ـ شاعرنا من أبرزهم لسرعة بديهته ولكونه شاعراً يحسن بالتالي (عد) القصيد، ولكنه مع ذلك وهو ما جعلنا نتأسف، وفي الوقت ذاته ننبه إلى الإسراع بتسجيل ما في صدور الرواة لم يتذكر إلا قصيدة واحدة من قصائده.
فلولا هؤلاء الرواة لما وصلنا في الحقيقة شيء من شعر بن ظاهر وغيره من شعراء الإمارات الأعلام كَـ بن خزام والكيف وبن بيات وبن روية وغيرهم من الذين روى بعض قصيدهم شاعرنا في هذه الجلسة التي كانت معبقة بدفء النار التي تبعث الخدر في المفاصل.
وتشيع جواً من أصالة الماضي إذْ تدار فناجين القهوة بين الفينة والأخرى، ويزهو صوت شاعرنا متدفقاً بألق الشعر، وصدق المشاعر على ربوة عالية مطلة على الشارع السريع الواصل بين العين ودبي.
قبل الجلوس حول النار، أخذني في جولة وسط جماله الأثيرة، (حْوار) أليف يمد رقبته بيننا، يكاد يلامس رؤوسنا ثم يميل علينا وكأنه طفل يتوق للملاطفة، مسد رأسه ورقبته، والتقطنا مع القطيع بعض الصور قبل أن ندعى إلى مائدة الشعر. معرفتي بالشاعر دغاش بن محمد العامري قديمة تعود ربما إلى أكثر من عشر سنوات، جدد الدعوة الصديق عوض بن وريقة العامري الذي رتب هذا اللقاء.
وبعد أن جلسنا، سألته عن الشاعر (الكيف) وهل هو اسمه الكيف أم هو لقب لُقبَ به؟ نادى على الشاعر جمعة بن مطلق الظاهري فسأله عن الاسم فأجاب الشاعر بأن الكيف اسمه علي وهو شاعر عامري (من العوامر القبيلة العربية المعروفة بعراقتها).
نعم، حليطي (من فخذ الحِلاطة) وهو شاعر معروف مفوه، والذي أعرفه أنه خال محمد بن ثاني، أما بن دري الله يرحمه الشاعر الكبير (أحمد بن دري الفلاحي) فالعوامر خواله، «اللي جاب الفروخ» الأبناء سالم وسعيد وسهيل.
ـ ألا تحفظ شيئاً من القصيد لشعراء من العوامر؟
ـ «وايد» ... لكن لا أحفظ لشاعر معين منهم.
ذكره أحد الحاضرين بالشاعر (بن خزام) ولهذا الشاعر العَلَم الكبير خاصة عند رواة الشعر النبطي في منطقة العين، مكانة ويحفظون شعره لأنه كان قريباً جداً من الشيخ زايد يرحمه الله.
واسمه حمد بن خزام الخميسي العامري وهو شاعر معروف، يقول في إحدى قصائده التي رواها لنا شاعرنا دغاش بن محمد العامري وهي مشاكاة للشيخ زايد يرحمه الله:
إيون الخميسي ولي هاض ما به
بنيت شعر من بيوت غزار
الأوّلة مشكاي للرّب خالقه ولا
على غيره بديت أسرار
والثانية مشكاي للشيخ زايد
شيخ يشل من الحمال كبار
يشل حملٍ ما يشلّه غيره
لو هو على غيره بَرَك ما ثار
ويحفظ الرواة قصيدة أخرى للشاعر بن خزام، لا تقل عن الأولى شهرة، وهي قصيدة كما يبدو قيلت بمناسبة خروجه في موسم القنص مع الشيخ زايد يقول فيها:
«الشيخ دنوله فروتٍ وجيبات
وأمّر على كل يحضر كشارة
قالوا حضرنا نلبي للشيخ نيّات
متحزّمين وكلنا فـ الأمارة
قال ابشروا بالخير والفراحات
مقناص والاّ ما به اليوم غارة
والقصيدة طويلة وقد عدها علينا شاعرنا كاملة. ثم عرضنا على شعراء المنطقة، فتذكر مضيفنا قصيدة للشاعر الصياح بوهليبة المنصوري، وهو شاعر عاش هنا في منطقة العين، وكانت له قصائد عديدة في الشيخ زايد يرحمه الله، ومنها هذه القصيدة التي نورد بعض أبياتها:
«سّميت باسم القادر الذي
عظيم شانه الجلالي والاكرامي
واشكي وشكواي على من يثيبها
الواحد المعبود ذا أوّل سلطاني
يا شيخنا يا سعد من أنت شيخه
يا ذخرنا ليمن جفانا الزماني
يا زايد المذكور سمعة وهيبة
وضيف يقلّط من العق رسمالي
وهذه القصيدة أيضا طويلة ومهمة ويحفظها (وعدها) علينا شاعرنا دغاش العامري كاملة.
ذكر الشاعر جمعة بن مطلق شاعرنا بقصيدة مشهورة للشاعر سلطان بن بيات المهيري، وطلب منه أن يعدها (يلقيها) على الحاضرين، ويشير شاعرنا أن بن بيات الشاعر تملكه «الْعِيَبْ» أي الإعجاب، وتقال الكلمة دليلاً على الحب أو الوقوع في الحب) على كبر، توفي الله يرحمه، وعدّ هذه القصيدة وهي من قصيد الغزل.. يقول فيها:
«عيني تهلّ الدّمع بصْياح
من عوق لا يبرا ولا يهون
عوقٍ على الافواد منَساح
فيه الدّخاتر ما يفيدون
يا بوهدايب سمر مسياح
يا صافي الخدّين واللون
شف في عذابي مالك إصلاح
لو طفت عند اللي يطوفون»
وللشاعر بن بيات، قصيدة أخرى لا تقل روعة عن الأولى (التي أوردنا منها الأبيات السابقة وشاعرنا رواها لنا كاملة) ... وهي أيضاً في الغزل يقول في بعضها:
«يوم سلّم قلت حيّا به
بويديل حدر متسنّه
حتى قلبي ضيّع حسابه
ما عرفت الفرض والسنّة
شوف حالي كيف سوّا به
واخذ معروفي بلا منّه
ذكرنا شاعرنا بشاعر آخر عَلَم من شعراء الإمارات وهو الشاعر علي بن عبدالله بن شمسة السويدي الذي يطلق عليه البدو «بن شمسة» وقد أشار إلى شاعريته حمد خليفة بوشهاب في كتابه «تراثنا من الشعر الشعبي».
ووصف شعره بأنه يمتاز بالرقة وحسن الأسلوب، وسهولة الألفاظ، وقد أورد له بوشهاب سبع قصائد في الجزء الثاني من كتابه السابق، وقد أورد شاعرنا دغاش العامري هذه القصيدة للشاعر الكبير العذب بن شمسة والتي لم يوردها بوشهاب فيما أورده:
«حيّ الرسيل ولي لفى بالمناديب
يا مرحبا حي التحية هبادي
صفرة سداسية على أول الشيب
شروا الفرس لي اتصلحت للطرادي
الله خلقها سالمة م العذاريب
فاقت على بوش الحضر والبوادي»
والقصيدة جميلة قيلت في أنواع البوش أو الهجن السبّق، على ألوانها، الصفر والحمر، وما أوردناه هو جزء بسيط من القصيدة وقد (عدها) علينا شاعرنا كاملة وهي تقارب الستة عشر بيتاً.
عرّج بعدها شاعرنا على شاعر عَلَم آخر يحفظ له بعض القصيد الجميل وهو الشاعر المعروف بن روّية، واسمه حبرش بن روية الكحيلي المحرمي وهو كتبي (من قبيلة بني كتب القبيلة العربية العريقة التي أنجبت شعراء كبارا)، ومضمونها أنه كان قد أعجب بامرأة كان قد حضر الشاعر عُرس ابنتها، وسبق البعير في السباق الذي يقيمه البدو عادة بمناسبات سعيدة كالأفراح والأعراس .
.. فوضعت المرأة الأم كما هي العادة الزعفران على خشم البعير الذي سبق ابتهاجاً ... فجادت قريحة الشاعر ووصفه بالأبيات التالية، والتي نورد بعضاً منها.. (وهي ثلاثة عشر بيتاً)..
رفيع الشّخَب بالسيوف
لذوعٍ من خنانيج الحواني
حشيم ما تلتف في الصيوف
طعامه كله طرحه عماني
طفينا كل حَسّاد يشوف
خبيث القلب طيار العياني
وبعد أن يصف البعير وصفاً دقيقاً، يعرّج بعدها إلى وصف المحبوب فيقول..
سلامي على من ربّوه وقوف
تبسيمهم يرّث غرامي
قفوا وخلوني خلي اليوف
بيني وبينهم ليَك تسامي
وأنشد لنا شاعرنا دغاش بن محمد العامري أبياتاً احتار في نسبتها الحاضرون إلى أي شاعر، فمنهم من قال أنها لـ «بن ظاهر»، ومنهم من نسبها لشاعر يقولون انه من منطقة الطّف على حد قول شاعرنا ومنها:
«أديب وسنيع ومخبه رفيع
وتنسف الخبيب على كل ميل
تعاسم يديها وكل شيَ فيها
واللي يشوفها ماضني بيميل
أبكي وخايف الاّم الحسايف
على يوم شَدّو ودنّوا الأصيل
كنت أراهن في جلستنا الحميمة تلك على أن ذاكرة الشعر كبئر ارتوازية كلما ألقيت قصيدة ذكّرت بأخرى وأن هذا التداعي الحر للحكايات والقصيد لابد وأن يجعل شاعرنا يتذكر شيئاً من شعره الشخصي بعد أن حاول في البداية التذكر فلم تسعفه الذاكرة، ولكن الآن جاءت القصيدة الأولى التي نظمها في بداية أيام «زمّة الصبا» أي فورته.
نورد منها الآبيات التالية:
قفيت بي يا زين وش ياك
ما حيدني دست الخطا فيك
طال الرّيا وأنا اتريّاك
وأنت اترّيا شوف غاليك
وانا الذي يا زين با فداك
لكن قل الصدق لي فيك
بيني وبينك حط يمناك
عَطني عَهَد والرب ينجيك
ثم تذكر شاعرنا قصيدته الثانية التي يقول فيها:
مريض حالي يا محمد وقلبي رَف
رْفيف طير في الهوى معطي القافي
كلّ على شغله وأنا بدالي شف
وأنا قلبي مشغول في هوى ناس أشرافي
وعوداً على شعراء المنطقة، تذكر شاعرنا قصيدة للشاعر قمّاش بن صكته العميمي، ويورد حكايتها كالتالي:
كنا يوما في معية سمو الشيخ زايد يرحمه الله، وما أن ألقيت أمام سموه هذه الأبيات:
يالغضي بوعين مسوَدّة
صرت في خوياك خَوّاني
يوم وقف القوس عا حدّه
بعتنا با رخاص الاثماني
حتى قال الشيخ زايد يرحمه الله: من له هذه القصيدة؟ قلنا هذه القصيدة لحياة قمّاش، فقال سموه ردّاً على القصيدة:
يالغضي بوعين مسودة
كيف بالمطلان تدهاني
الوِجَن كالورد معتدة
والثنايا البروق زمّاني
ولمعتق ما حلا قدّه
والثنايا حَب رمّاني
واستزدنا شاعرنا من شعره هو، فاعتذر بأنه لا يحفظ الكثير من قصيده، لكنه مع ذلك يذكر مطلع قصيدة قديمة له تبدأ هكذا:
أنا ويّنت من هميّ عليها
ازداد القلب علاّت وملايل
فشجع ذلك ابنه مبارك الذي كان حاضراً مجلسنا لعد القصيدة التي نورد منها:
أنا ونّيت من هميّ عليها
ازداد القلب علاّت وملايل
تشوق العين لي برّقت فيها
ويزول الهم اللي في اليوف ظايل
ذلول الشيخ يا حافظ عليها
على أول شيب البوش حايل
هزرت بيود ويال الظن فيها
من كسف المدح والخبر اليمايل