لاهوب
05-04-2007, 12:41 PM
\\
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
\\
القوز أخذ ت اسمها من بئر ماء
السفر من العين إلى أبوظبي كان يستغرق سبعة أيام
الوالد صالح بن عتيق بن دسمال بوقراعة الحميري إحدى الشخصيات التي تتمتع بحافظة روائية ممتازة، ويعد أحد المخضرمين الذين عاشوا حياة ما قبل النفط وما بعده من سنين الى عصرنا الحاضر وشهد أحداث التطوير والنماء في الدولة، ومن خلال حديثه نحلق معه في أجواء تاريخية فريدة ونعيش الذكريات والأحداث الماضية ساعة بساعة ونعاينها لحظة بلحظة وخاصة ان الراوي يصور الأحداث والمشاهد بطريقة رائعة أشبه بالوثائق. ويقول: ولدت في منطقة القوز إحدى ضواحي دبي، وكانت معظم العشائر والقبائل تنتقل في المنطقة الواقعة في حدود الإمارات حالياً من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب بين مواسم الشتاء والصيف، ومنطقة القوز أخذت اسمها من بئر ماء حفرها أحد أهل جميرا من البطيات وهو ماجد بن بطي المهيري وجماعته، وكانت هذه المنطقة من المناطق التي كانت ترتادها أسرتنا مع الكثير من أفراد عشيرتنا والعشائر والقبائل العربية، كما كانت من المناطق التي تحيط بها المراعي الخصبة وموارد المياه التي هي عماد الاستقرار قديماً، بالاضافة لقربها من سواحل البحر، ومنطقة جميرا وأم سقيم، وكان أهلنا يشتون في هذه المنطقة ويحضرون العين، وكان والدي رحمه الله مطوع يقرينا ويقري أبناء الأسر التي تسكن معنا، وأذكر أنه كان يأتينا مطوع من أهل فارس يعلمنا القراءة والكتابة والحساب، وأصبح والدي بعد ذلك إماماً لمسجد الشيخ طحنون في العين الى أن توفاه الله الى رحمته في عام 1992 بعد ان شارف على المائة من عمره.
الطفولة
عشت طفولتي أعاون والدي في الرعي وتوريد الابل والماشية الى الموارد والمراعي، وكان هذا دأب كل صغير حيث كانت هذه عيشتنا وسنة الحياة ان يتعلم الابن من والده ويعاونه حتى يكبر ويصبح أبا ويقوم بتعليم أبنائه ليعاونوه، وكذلك كانت حياتنا في الماضي لم يكن للراحة والخمول والكسل مكان في حياتنا، فحياتنا مليئة بالعمل بجد ونشاط وهمة عالية ومن لا يعمل تكون العصا واللوم والكلام القاسي في انتظاره حتى يحس بالذنب وقيمة العمل فيقوم بتأدية واجباته.
الموارد
كنا ننتقل مع أهلنا من مورد الى آخر بحثاً عن مواطن السكن والاستقرار، اذ كنا نرد طوي “النخرة” وهو مورد لآل بوفلاسا ويرد عليه المناصير وآل بوعميم وهم من آل بومهير من بني ياس، ولهم عوائل كثيرة تسكن في جميرا مثل بن تميم، وبن حاضر، وغيرهم من الأسر، ومنها نرحل الى موارد اخرى باتجاه مدينة العين، ونرد “بدع رشيد” أو “بدع سليّم” كما يسميه البعض، وهو مورد يرد عليه البدو الرحل من كل القبائل والعشائر المعروفة في المنطقة في مواسم المطر، ومنها نتجه الى “بدع المغني” وشماليها “الثورية” وماؤها يصلح للماشية فقط، وشرقيها “الخصوب” وهي بئر “يهلية” أي قديمة جدا لا يعرف من حفرها وكان على أطرافها احجار مرصوصة بطين وجص قديم جدا وكأنه بني من مئات السنين.
العين
كنا عندما نصل إلى مدينة العين نسكن في حارة الربيلات التي تسمى أيضا حارة الحصن والتي تحيطها وبقربها حارات الكويتات والمطاوعة والنواصر والسوق والنيادات، وأذكر أنه بالقرب من السوق شجرة قرط كنا نرى المويجعي والجاهلي من موقعنا هذا، وكنا نجتمع تحت هذه الشجرة مع الأولاد ونلعب الألعاب الشعبية المعروفة التي تعتمد على القوة والحركة والذكاء والتي اندثرت ولا نرى أولادنا يلعبونها حاليا واْستعاضوا عنها بألعاب كرة القدم في الفرجان والألعاب الإلكترونية في المنازل والتي تعلم الكسل والخمول، والبعض منها ينمي العقل والحواس، كما يخبرنا الأولاد، والملاحظ أن الكثير منهم لا يلعب ولا يتحرك ولا يبذل أي مجهود وذلك لظروف الحياة وعدم وجود أماكن قريبة خالية من العمران يلعبون فيها مثل الزمان الأول اذ كانت تحيط بنا “البراحة” من كل جهة في المدينة، وخارجها الأرض الفضاء والواسعة التي هي مكان للعبنا ولهونا ونحن صغار حتى وقت الشباب الذي كنا ملازمين لآبائنا وأهلنا نعاونهم على توفير لقمة العيش وأسباب الحياة الكريمة.
أيام زمان
كانت أيامنا مع مصاعبها وقسوتها حلوة وجميلة حيث كان الجميع مجتمعين ومتعارفين ومتزاورين ومجرد التفكير بحياتنا الماضية وحلاوتها يطيل العمر ويريح النفس، وكنا في أيام الأعياد نجتمع للذهاب إلى صلاة العيد مع آبائنا وأذكر أن مصلى العيد كان بالقرب من شجرة سمر جنوبي العين وبعدها نحضر للسلام على الأهل والجيران ومن ثم نتجمع في ساحة العرض واللعب حيث الناس يربطون الميرحانات (الأراجيح) ويلعب عليها الأطفال الصبية والبنات، وكنا نشاهد الكبار وهم يرزفون (يرقصون) الحربية والعيالة في وقت الصبح وبعد صلاة العصر أيضا، وكان هناك رجال يقومون بتنظيم هذه الرقصات مثل خيري ودريم وربيع الظاهري، وكان “خيري” هو اكثر من ينظم هذه الرقصات وكان يمنع الصغار من الدخول والمشاركة فيها.
وبعد المشاركة في الرزفة نذهب ونمر على البيوت ونجمع العيدية وكانت عبارة عن “بيزات” قليلة ولكنها كانت تفرحنا كثيرا، وكان البعض يعطينا الرطب والبعض الآخر يقدم لنا الماء البارد الموضوع في اليحال (القلة والجرة الفخارية الخاصة بماء الشرب) حيث لم يكن لدى الجميع المال الكافي لتوزيعه على الصبية، وكنا كذلك في حفلات “التومينة” التي تقام بمناسبة ختم أحد الأولاد للقرآن الكريم كنا نمر على البيوت ويقوم المطوع بذكر بيت من الشعر.
وكنا في ثاني أيام العيد نقصد البريمي حيث يقام سوق “سابع” يحضره عدد كبير من الناس، من الدروع والعوامر والظواهر وغيرهم من القبائل فيصبح المكان مكتظاً بالناس، ويكون في السوق البيع والشراء على اوجه، وكان يقام في عصر هذا اليوم “نطاح الثيران” وهي مسابقة قديمة جدا مارسها الأجداد في هذه المكان وكذلك في الفجيرة ورأس الخيمة وأكثر مناطق عمان حيث المناطق الزراعية والفلاحية التي فيها المزارع و”اليازرة” التي تعمل اعتمادا على الثيران التي تحضر للسوق خصيصا لهذا السباق بعد أن تطعم أفضل الطعام لتصبح قوية وجاهزة لمصارعة بقية الثيران.
وكانت البريمي والعين من أفضل المناطق التي يقصدها أهل أبوظبي ودبي وداخلية عمان للتصييف ويصفونها بأنها شراغات الى اماكن ترتاح الأنفس فيها، وكانت فيها العديد من المناطق ومزارع النخيل التي كانت معظمها مزروعة بأشجار النخيل الكبيرة، ومنها نخل محمد العفريت ساكن النيادات ونخل الكويتات والظواهر ونخل بن هاشل من أهل العين القدماء، وكانت بعض المزارع تزرع بعض الحمضيات والخضراوات مثل قوم “بالحايطة”، وكانت الحنطة تزرع في منطقة المسعودي وكانت هذه المزارع تسقى ب”اليازرة”.
النصيلة
كنا دائما نسلك الطريق من العين إلى أبوظبي في سبعة أيام تقريبا، حيث ترجع معظم العوائل بعد انقضاء موسم القيظ ويعود الرجال من رحلة الغوص وترجع الأسر والأطفال وكبار السن من المصايف ليجتمع شمل الأسر في المدن، وكنا نحضر مع أهلنا إلى أبوظبي حيث يلتقي طريق العين سويحان أبوظبي قرب “برقة النصيلة” وتسمى أيضا “البريقة” أو “البريجة”، كما تنطق لدينا، وكانت هذه البرقة في موضع نادي الجولف قرب مطار أبوظبي الدولي ومدينة خليفة حاليا، وكان القادمون من سويحان القاصدين أبوظبي يقيلون عندها، وكانت هذه المنطقة شديدة البرودة ولا تدفأ إلا بحلول الصيف حتى قال أجدادنا في تغاريدهم عند ذكر هذا الموضع وموضع البريجة.
وتمر القوافل القادمة إلى أبوظبي على “الحميرة” وهي بالقرب من “عود التوبة” ومن ثم تمر على “القصيلة” وكانت القوافل بعد أن تقطع المقطع وتدخل جزيرة أبوظبي تتجمع في موضع يعرف ب”عرقوب الزعفرانة” وهو في موضع شارع حمدان حاليا، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى الزعفران والطيب والعود والدخون (البخور) الذي تضعه النساء اللاتي يتطيبن لأزواجهن القادمين إليهن بعد غيبة أشهر وكن تجمعن في هذا الموضع الذي سمي نسبة إلى الزعفران الذي ينسكب على الأرض فيغير لونه إلى الأصفر وكانت رائحته تعطر المكان المحيط به وتشمه من بعد مسافة بعيدة، وكان بالقرب من عرقوب الزعفران موقع يعرف ب”قصار القرم” وهو بالقرب من حارة الرميثات وكانت مياه البحر تصل إليه، وكان الناس يقصدون هذا الموضع لأخذ حاجتهم من “القصار” وهو أغصان أشجار القرم اليابسة لاستخدامها كحطب ووقود للنار، وتقطع الأغصان الخضرة لإطعام الركاب القادمة بالأهل من العين.
بوقراعة
تنتمي أسرتنا إلى آل بوقراعة من عشيرة آل بوحمير إحدى فخايذ قبيلة المناصير الكبيرة والمعروفة في الإمارات ومنطقة الخليج والجزيرة العربية والتي تتكون من عشائر عدة متوزعة في الدولة مثل عشيرة آل بورحمة وآل بومنذر وآل بوالخيل والنسبة إليه خيلي، وآل بوالشعر والقصيلات، وسميت عشيرتنا بهذه التسمية نسبة إلى أجدادنا الذين كانوا يحاربون بالعصي التي تسمى قراعة وهي ساق أو عرق من شجر السدر أو الغاف يكون في مقدمته كتلة يقرع بها رأس العدو فيصاب أو يهلك حيث كانت الجيوش قديمة مسلحة بالسيوف والرماح وهي قليلة فيحمل البعض العصي ومنهم أجدادنا وكذلك القصيلات الذين سموا بهذه التسمية نسبة إلى حملهم “قصلة” وهي أغصان الأشجار أو عروقها وتسنن كالرماح فيحاربون بها، ولهذا سمي هذا الفرع من القبيلة القصيلات وأصبحت عشيرة وسمينا نحن القراعات، وكان وسم أسرتنا قرعتين ونلويها ونعطفها وهو نفس وسم آل بوالشعر.
الغوص
دخلت مع والدي البحر وأنا صغير وكان من كبار نواخذة الغوص الذين دخلت معهم الغوص عبدالله بن بروك ومحمد بن عبدالله بن بندوق القمزي وهما من أشهر من يعرف بالبحور والمغاصات، وذهبت مع والدي الغوص أيضا مع النوخذا مطر بن حاضر المهيري ساكن البطين، وتوفي رحمه الله وأخوه مبارك أيضاً، وكانت سفن الغوص تجتمع وتعلى في منطقة البطين التي كان يسكنها السودان وآل بومهير، وكانت منطقة البطين عبارة عن خيام مفتوحة وبيوت متقاربة كلهم أهل وجماعة واحدة، وكان الكثير من آل بومهير سكان البطين ممن يحضرون معنا في العين وكنا ندخل معهم الغوص، وكان والدي رحمه الله “غيص حياري” ينبر أي يغوص ويخرج بدون مساعدة “السيب” وهو الرجل الذي يقف على سطح السفينة ويسحب الحبل الذي يمسك بطرفه الآخر الغواص عادة ويقوم السيب بسحبه عند تلقيه إشارة من الغواص وهي عدة سحبات متتالية يفهمها السيب كإشارة للسحب فيسحبه من قاع البحر فورا وبسرعة، والذي يغوص “حياري” يربط برجله حبلا ويكون طرفه الآخر مربوطا بكربة أو قبعة طافية على سطح البحر كعلامة تدل عليه في حالة حدوث شيء له لا سمح الله في القاع ومن ثم يخرج دون مساعدة أحد حيث لديه القوة على الغوص والطفو والعوم على السطح.
وعملت في جزيرة داس في احدى شركات النفط العاملة هناك، وكان يعمل معي سالم بن فرحان من أهل العين وكنت أعمل سنة ومن ثم أعود إلى بدع المغني حيث والدي كان هناك وأساعده في عمله ومن ثم أرجع إلى داس للعمل وبقيت على هذا الحال لمدة ست سنوات، وكنت أعمل هناك في حمل ونقل المعدات والأنابيب براتب 300 روبية، وذات مرة شاهدني “الفورمن” الإنجليزي وهو رئيس العمل وأنا أقوم بلحم الأنابيب ببعضها البعض بواسطة الإسمنت وأصلح فتحاتها المكسورة فقال لمساعده وهو رجل لبناني إن هذا ليس بعامل لأن لديه مهارة فائقة في إصلاح الأنابيب وأريدكم أن تنقلوه إلى مهنة فني، فنقلني المساعد الى وظيفة فني وبراتب 600 روبية، أي ضعف ما يأخذه زملائي وقال لي سأجربك لمدة ثلاثة أشهر فإن نجحت في الاختبار سأثبتك في عملك وإن فشلك فسترجع إلى وظيفتك السابقة وراتبك السابق، ولله الحمد نجحت، واحبني الفورمن الإنجليزي ومساعده اللبناني كثيرا.
\\
الله يطول بعمره ..
\\
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
\\
القوز أخذ ت اسمها من بئر ماء
السفر من العين إلى أبوظبي كان يستغرق سبعة أيام
الوالد صالح بن عتيق بن دسمال بوقراعة الحميري إحدى الشخصيات التي تتمتع بحافظة روائية ممتازة، ويعد أحد المخضرمين الذين عاشوا حياة ما قبل النفط وما بعده من سنين الى عصرنا الحاضر وشهد أحداث التطوير والنماء في الدولة، ومن خلال حديثه نحلق معه في أجواء تاريخية فريدة ونعيش الذكريات والأحداث الماضية ساعة بساعة ونعاينها لحظة بلحظة وخاصة ان الراوي يصور الأحداث والمشاهد بطريقة رائعة أشبه بالوثائق. ويقول: ولدت في منطقة القوز إحدى ضواحي دبي، وكانت معظم العشائر والقبائل تنتقل في المنطقة الواقعة في حدود الإمارات حالياً من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب بين مواسم الشتاء والصيف، ومنطقة القوز أخذت اسمها من بئر ماء حفرها أحد أهل جميرا من البطيات وهو ماجد بن بطي المهيري وجماعته، وكانت هذه المنطقة من المناطق التي كانت ترتادها أسرتنا مع الكثير من أفراد عشيرتنا والعشائر والقبائل العربية، كما كانت من المناطق التي تحيط بها المراعي الخصبة وموارد المياه التي هي عماد الاستقرار قديماً، بالاضافة لقربها من سواحل البحر، ومنطقة جميرا وأم سقيم، وكان أهلنا يشتون في هذه المنطقة ويحضرون العين، وكان والدي رحمه الله مطوع يقرينا ويقري أبناء الأسر التي تسكن معنا، وأذكر أنه كان يأتينا مطوع من أهل فارس يعلمنا القراءة والكتابة والحساب، وأصبح والدي بعد ذلك إماماً لمسجد الشيخ طحنون في العين الى أن توفاه الله الى رحمته في عام 1992 بعد ان شارف على المائة من عمره.
الطفولة
عشت طفولتي أعاون والدي في الرعي وتوريد الابل والماشية الى الموارد والمراعي، وكان هذا دأب كل صغير حيث كانت هذه عيشتنا وسنة الحياة ان يتعلم الابن من والده ويعاونه حتى يكبر ويصبح أبا ويقوم بتعليم أبنائه ليعاونوه، وكذلك كانت حياتنا في الماضي لم يكن للراحة والخمول والكسل مكان في حياتنا، فحياتنا مليئة بالعمل بجد ونشاط وهمة عالية ومن لا يعمل تكون العصا واللوم والكلام القاسي في انتظاره حتى يحس بالذنب وقيمة العمل فيقوم بتأدية واجباته.
الموارد
كنا ننتقل مع أهلنا من مورد الى آخر بحثاً عن مواطن السكن والاستقرار، اذ كنا نرد طوي “النخرة” وهو مورد لآل بوفلاسا ويرد عليه المناصير وآل بوعميم وهم من آل بومهير من بني ياس، ولهم عوائل كثيرة تسكن في جميرا مثل بن تميم، وبن حاضر، وغيرهم من الأسر، ومنها نرحل الى موارد اخرى باتجاه مدينة العين، ونرد “بدع رشيد” أو “بدع سليّم” كما يسميه البعض، وهو مورد يرد عليه البدو الرحل من كل القبائل والعشائر المعروفة في المنطقة في مواسم المطر، ومنها نتجه الى “بدع المغني” وشماليها “الثورية” وماؤها يصلح للماشية فقط، وشرقيها “الخصوب” وهي بئر “يهلية” أي قديمة جدا لا يعرف من حفرها وكان على أطرافها احجار مرصوصة بطين وجص قديم جدا وكأنه بني من مئات السنين.
العين
كنا عندما نصل إلى مدينة العين نسكن في حارة الربيلات التي تسمى أيضا حارة الحصن والتي تحيطها وبقربها حارات الكويتات والمطاوعة والنواصر والسوق والنيادات، وأذكر أنه بالقرب من السوق شجرة قرط كنا نرى المويجعي والجاهلي من موقعنا هذا، وكنا نجتمع تحت هذه الشجرة مع الأولاد ونلعب الألعاب الشعبية المعروفة التي تعتمد على القوة والحركة والذكاء والتي اندثرت ولا نرى أولادنا يلعبونها حاليا واْستعاضوا عنها بألعاب كرة القدم في الفرجان والألعاب الإلكترونية في المنازل والتي تعلم الكسل والخمول، والبعض منها ينمي العقل والحواس، كما يخبرنا الأولاد، والملاحظ أن الكثير منهم لا يلعب ولا يتحرك ولا يبذل أي مجهود وذلك لظروف الحياة وعدم وجود أماكن قريبة خالية من العمران يلعبون فيها مثل الزمان الأول اذ كانت تحيط بنا “البراحة” من كل جهة في المدينة، وخارجها الأرض الفضاء والواسعة التي هي مكان للعبنا ولهونا ونحن صغار حتى وقت الشباب الذي كنا ملازمين لآبائنا وأهلنا نعاونهم على توفير لقمة العيش وأسباب الحياة الكريمة.
أيام زمان
كانت أيامنا مع مصاعبها وقسوتها حلوة وجميلة حيث كان الجميع مجتمعين ومتعارفين ومتزاورين ومجرد التفكير بحياتنا الماضية وحلاوتها يطيل العمر ويريح النفس، وكنا في أيام الأعياد نجتمع للذهاب إلى صلاة العيد مع آبائنا وأذكر أن مصلى العيد كان بالقرب من شجرة سمر جنوبي العين وبعدها نحضر للسلام على الأهل والجيران ومن ثم نتجمع في ساحة العرض واللعب حيث الناس يربطون الميرحانات (الأراجيح) ويلعب عليها الأطفال الصبية والبنات، وكنا نشاهد الكبار وهم يرزفون (يرقصون) الحربية والعيالة في وقت الصبح وبعد صلاة العصر أيضا، وكان هناك رجال يقومون بتنظيم هذه الرقصات مثل خيري ودريم وربيع الظاهري، وكان “خيري” هو اكثر من ينظم هذه الرقصات وكان يمنع الصغار من الدخول والمشاركة فيها.
وبعد المشاركة في الرزفة نذهب ونمر على البيوت ونجمع العيدية وكانت عبارة عن “بيزات” قليلة ولكنها كانت تفرحنا كثيرا، وكان البعض يعطينا الرطب والبعض الآخر يقدم لنا الماء البارد الموضوع في اليحال (القلة والجرة الفخارية الخاصة بماء الشرب) حيث لم يكن لدى الجميع المال الكافي لتوزيعه على الصبية، وكنا كذلك في حفلات “التومينة” التي تقام بمناسبة ختم أحد الأولاد للقرآن الكريم كنا نمر على البيوت ويقوم المطوع بذكر بيت من الشعر.
وكنا في ثاني أيام العيد نقصد البريمي حيث يقام سوق “سابع” يحضره عدد كبير من الناس، من الدروع والعوامر والظواهر وغيرهم من القبائل فيصبح المكان مكتظاً بالناس، ويكون في السوق البيع والشراء على اوجه، وكان يقام في عصر هذا اليوم “نطاح الثيران” وهي مسابقة قديمة جدا مارسها الأجداد في هذه المكان وكذلك في الفجيرة ورأس الخيمة وأكثر مناطق عمان حيث المناطق الزراعية والفلاحية التي فيها المزارع و”اليازرة” التي تعمل اعتمادا على الثيران التي تحضر للسوق خصيصا لهذا السباق بعد أن تطعم أفضل الطعام لتصبح قوية وجاهزة لمصارعة بقية الثيران.
وكانت البريمي والعين من أفضل المناطق التي يقصدها أهل أبوظبي ودبي وداخلية عمان للتصييف ويصفونها بأنها شراغات الى اماكن ترتاح الأنفس فيها، وكانت فيها العديد من المناطق ومزارع النخيل التي كانت معظمها مزروعة بأشجار النخيل الكبيرة، ومنها نخل محمد العفريت ساكن النيادات ونخل الكويتات والظواهر ونخل بن هاشل من أهل العين القدماء، وكانت بعض المزارع تزرع بعض الحمضيات والخضراوات مثل قوم “بالحايطة”، وكانت الحنطة تزرع في منطقة المسعودي وكانت هذه المزارع تسقى ب”اليازرة”.
النصيلة
كنا دائما نسلك الطريق من العين إلى أبوظبي في سبعة أيام تقريبا، حيث ترجع معظم العوائل بعد انقضاء موسم القيظ ويعود الرجال من رحلة الغوص وترجع الأسر والأطفال وكبار السن من المصايف ليجتمع شمل الأسر في المدن، وكنا نحضر مع أهلنا إلى أبوظبي حيث يلتقي طريق العين سويحان أبوظبي قرب “برقة النصيلة” وتسمى أيضا “البريقة” أو “البريجة”، كما تنطق لدينا، وكانت هذه البرقة في موضع نادي الجولف قرب مطار أبوظبي الدولي ومدينة خليفة حاليا، وكان القادمون من سويحان القاصدين أبوظبي يقيلون عندها، وكانت هذه المنطقة شديدة البرودة ولا تدفأ إلا بحلول الصيف حتى قال أجدادنا في تغاريدهم عند ذكر هذا الموضع وموضع البريجة.
وتمر القوافل القادمة إلى أبوظبي على “الحميرة” وهي بالقرب من “عود التوبة” ومن ثم تمر على “القصيلة” وكانت القوافل بعد أن تقطع المقطع وتدخل جزيرة أبوظبي تتجمع في موضع يعرف ب”عرقوب الزعفرانة” وهو في موضع شارع حمدان حاليا، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى الزعفران والطيب والعود والدخون (البخور) الذي تضعه النساء اللاتي يتطيبن لأزواجهن القادمين إليهن بعد غيبة أشهر وكن تجمعن في هذا الموضع الذي سمي نسبة إلى الزعفران الذي ينسكب على الأرض فيغير لونه إلى الأصفر وكانت رائحته تعطر المكان المحيط به وتشمه من بعد مسافة بعيدة، وكان بالقرب من عرقوب الزعفران موقع يعرف ب”قصار القرم” وهو بالقرب من حارة الرميثات وكانت مياه البحر تصل إليه، وكان الناس يقصدون هذا الموضع لأخذ حاجتهم من “القصار” وهو أغصان أشجار القرم اليابسة لاستخدامها كحطب ووقود للنار، وتقطع الأغصان الخضرة لإطعام الركاب القادمة بالأهل من العين.
بوقراعة
تنتمي أسرتنا إلى آل بوقراعة من عشيرة آل بوحمير إحدى فخايذ قبيلة المناصير الكبيرة والمعروفة في الإمارات ومنطقة الخليج والجزيرة العربية والتي تتكون من عشائر عدة متوزعة في الدولة مثل عشيرة آل بورحمة وآل بومنذر وآل بوالخيل والنسبة إليه خيلي، وآل بوالشعر والقصيلات، وسميت عشيرتنا بهذه التسمية نسبة إلى أجدادنا الذين كانوا يحاربون بالعصي التي تسمى قراعة وهي ساق أو عرق من شجر السدر أو الغاف يكون في مقدمته كتلة يقرع بها رأس العدو فيصاب أو يهلك حيث كانت الجيوش قديمة مسلحة بالسيوف والرماح وهي قليلة فيحمل البعض العصي ومنهم أجدادنا وكذلك القصيلات الذين سموا بهذه التسمية نسبة إلى حملهم “قصلة” وهي أغصان الأشجار أو عروقها وتسنن كالرماح فيحاربون بها، ولهذا سمي هذا الفرع من القبيلة القصيلات وأصبحت عشيرة وسمينا نحن القراعات، وكان وسم أسرتنا قرعتين ونلويها ونعطفها وهو نفس وسم آل بوالشعر.
الغوص
دخلت مع والدي البحر وأنا صغير وكان من كبار نواخذة الغوص الذين دخلت معهم الغوص عبدالله بن بروك ومحمد بن عبدالله بن بندوق القمزي وهما من أشهر من يعرف بالبحور والمغاصات، وذهبت مع والدي الغوص أيضا مع النوخذا مطر بن حاضر المهيري ساكن البطين، وتوفي رحمه الله وأخوه مبارك أيضاً، وكانت سفن الغوص تجتمع وتعلى في منطقة البطين التي كان يسكنها السودان وآل بومهير، وكانت منطقة البطين عبارة عن خيام مفتوحة وبيوت متقاربة كلهم أهل وجماعة واحدة، وكان الكثير من آل بومهير سكان البطين ممن يحضرون معنا في العين وكنا ندخل معهم الغوص، وكان والدي رحمه الله “غيص حياري” ينبر أي يغوص ويخرج بدون مساعدة “السيب” وهو الرجل الذي يقف على سطح السفينة ويسحب الحبل الذي يمسك بطرفه الآخر الغواص عادة ويقوم السيب بسحبه عند تلقيه إشارة من الغواص وهي عدة سحبات متتالية يفهمها السيب كإشارة للسحب فيسحبه من قاع البحر فورا وبسرعة، والذي يغوص “حياري” يربط برجله حبلا ويكون طرفه الآخر مربوطا بكربة أو قبعة طافية على سطح البحر كعلامة تدل عليه في حالة حدوث شيء له لا سمح الله في القاع ومن ثم يخرج دون مساعدة أحد حيث لديه القوة على الغوص والطفو والعوم على السطح.
وعملت في جزيرة داس في احدى شركات النفط العاملة هناك، وكان يعمل معي سالم بن فرحان من أهل العين وكنت أعمل سنة ومن ثم أعود إلى بدع المغني حيث والدي كان هناك وأساعده في عمله ومن ثم أرجع إلى داس للعمل وبقيت على هذا الحال لمدة ست سنوات، وكنت أعمل هناك في حمل ونقل المعدات والأنابيب براتب 300 روبية، وذات مرة شاهدني “الفورمن” الإنجليزي وهو رئيس العمل وأنا أقوم بلحم الأنابيب ببعضها البعض بواسطة الإسمنت وأصلح فتحاتها المكسورة فقال لمساعده وهو رجل لبناني إن هذا ليس بعامل لأن لديه مهارة فائقة في إصلاح الأنابيب وأريدكم أن تنقلوه إلى مهنة فني، فنقلني المساعد الى وظيفة فني وبراتب 600 روبية، أي ضعف ما يأخذه زملائي وقال لي سأجربك لمدة ثلاثة أشهر فإن نجحت في الاختبار سأثبتك في عملك وإن فشلك فسترجع إلى وظيفتك السابقة وراتبك السابق، ولله الحمد نجحت، واحبني الفورمن الإنجليزي ومساعده اللبناني كثيرا.
\\
الله يطول بعمره ..
\\